بقلم: بهيج وردة
أول سؤال يمكن أن يتشكل لديك بعد زيارة الدورة الــ 40 لمعرض مونتريال للكتاب الذي عقد من 15 إلى 20 نوفمبر في بلاس بونافنتور، هل الحديث عن تراجع الكتاب الورقي حقيقة في هذا الجزء من العالم؟. سأحاول من خلال بضعة مشاهدات أن أمعن النظر والتفكير في هذه المعضلة التي أشبَعنا فيها العالم العربي لطماً ونواحاً.
مشهد1: الأعداد الكبيرة من الطوابير المصطفة بانتظام لأطفال لم يبلغوا العاشرة من عمرهم، ينتظرون توقيع رسامهم أو كاتبهم المفضل، على إصداراته، فيما يرسم الفنان توقيعه على مهل مستخدماً ألوانه الكثيرة.
مشهد2: لم يفصل المعرض دور نشر كتب الأطفال في أجنحة خاصة بهم، إنما كانت هذه الأجنحة بين أجنحة كتب الكبار، كي لا تحرم الكبار متعة التجول، وفي الوقت نفسه تسمح بمرافقة الأطفال داخل المعرض إلى دورهم المفضلة.
مشهد3: لا أحد يضيع وقته في طوابير الانتظار. الكل كباراً وصغاراً يقرأ ويقرأ ويقرأ.
على ما تحمله هذه المشاهدات من بساطة، إلا أن ما تحمله من دلالات يدعو للتأمل والتفكير بالأزمات من جديد. أولها على الأقل أن وجود الأطفال بشكل كبير يدل على وعي الأهل بأهمية القراءة، وغرسهم لعادة لا يمكن لها أن تكون مضرة في يوم ما، إلى ما تحمله هذه العادة من غراس تنمو في المستقبل، وتنتج أطفالاً تقرأ –إن أردنا الحديث بطريقة نمط الانتاج المادي للسلعة. بالدرجة الثانية وجود سلاسل كوميكس، وسلاسل من الكتب تزيد إصداراتها كل عام، يدل على ملامح لمشروع متكامل في تقديم المعرفة للطفل من قبل دار النشر. ثالث الأمور التي يمكن النظر إليها هي وجود مشاهير في عالم النشر للأطفال، لكن متابعة منتجهم المعرفي يدل على شغل دؤوب وحرص من قبل الكاتب وما يليه من جهد الناشرين، فيما يشكل هذا الجيل من القراء الصغار نواة قارئ المستقبل.
لا أود أن أكون مشدوهاً إلى الآخر، وأجلد الثقافة العربية التي جئت منها، لكن هناك حاجة حقيقة لكتب الطفل، وضرورة لمحاربة هيمنة الديناصورات من المؤلفين الذين تتكرر أسماؤهم من قبل دور النشر العربية، رغم حداثة عهدها بكتب الأطفال أو اليافعين، إضافة لغياب المحرر عن إصدارات الطفل، واستسهال الكثير من الكتاب النشر للأطفال كمحاولة لريادة هذا المجال، الأمر يستدعي بالضرورة ضبطاً واهتماماً جدياً بعيداً عن جمالية المشهد البصري للكتب المنشورة، ولا مانع وقتها من الحديث عن المرورد المالي لهذه الصناعة الناشئة، أما الدخول من باب التجارة فيجعل الهروب إلى عالم الكتاب الالكتروني و»الأجنبي» واجباً.