بقلم: هيثم السباعي
ذكرنا في العدد الماضي بأننا سنتكلم اليوم عن مؤتمرات الأستانه ونتائجها، ولكن من المهم جداً قبل التطرق لهذا الموضوع الهام إلقاء نظرة سريعة على مؤتمرات جنيڤ التي عقدت عدة مرات تحت إشراف الأمم المتحدة. تعاقب عليها ثلاثة مندوبين هم ‘كوفي أنان’ السكرتير العام الأسبق للأمم والمتحدة والديبلوماسي المخضرم ‘الأخضر الإبراهيمي’ وأخيراً صاحب النفس الأطول ‘ستيفان دي ميستورا’.
كان المؤتمر الأول أهم من بقية المؤتمرات التي عقدت فيما بعد لأن ‘أنان’ وضع النقاط الأساسية التي يجب العمل عليها لإنهاء الأزمة وإنتقال السلطة السياسية تدريجياً خلال فترة زمنية محددة ووضع دستور جديد للبلاد. ترأس وفد الحكومة السورية إلى جميع مؤتمرات چنيڤ والأستانه الدكتور بشار الجعفري سفيرها الدائم لدى الأمم المتحده.
كان ولايزال مندوبوا الأمم المتحدة يجتمعون بوفد الحكومة ووفد المعارضة كل على حده. تبين منذ اليوم الأول للإجتماعات غياب النية لدى الحكومة على التفاوض وتقديم أي تنازل رغم المناورات التي مارستها في الإجتماعات وبقيت متمسكة بالحل العسكري للأزمه، بتشجيع من حليفتها القوية إيران التي إنضمت إليها روسيا فيمابعد. إنفضت كافة المؤتمرات السابقة دون الوصول إلى أي قرار ينهي الأزمة أو على الأقل يوحي ببداية نهاية لها لأن النظام مؤمن أن نهايته ستبدأ مع أول تنازل. .
عندما فشل الدعم العسكري الذي قدمه الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني والميليشيات الشيعية الأخرى بالقضاء على المعارضة المسلحة، طلبت الحكومتان السورية والإيرانية من حليفتيهما القوية روسيا تقديم الدعم الجوي لقواتهما البرية وتعهدت إيران بزيادتها. بالفعل دخلت روسيا بتاريخ ٣٠-٠٩-٢٠١٥ بقوة جوية دعمتها فيما بعد قوة بحرية وازنه وبدأت غاراتها على مواقع المعارضة المسلحة ونجحت بإضعافها وشبه القضاء عليها بسبب غياب القيادة الموحدة والتشرذم وتدخل الدول العربية والإقليمية وغياب الولايات المتحده عن الساحة السياسية الدولية في عهد أوباما مما فسح المجال لروسيا كي تكون اللاعب الرئيسي في حل الأزمه. ساعد على القضاء على أغلب المعارضة المسلحة عزلها إلى جيوب وشراء قادتها حتي قيل أن جميع المصالحات التي نُفِّذت أخيراً وإنتهت بترحيل المقاتلين من المناطق المختلفة إلى شمال سورية قبض أثمانها أمراء حرب تلك المناطق.
كانت حلب الشرقية العقدة التي لم تتمكن قوات النظام بمساعدة الميليشيات الشيعية والدعم الجوي الروسي من التغلب عليها لأن تركيا تدعم المقاتلين العاملين فيها والتي تنتمي لعدد كبير من المجموعات الإسلاميه وصل عددها إلى المائه تقريباً!!!؟؟؟؟. تخلت تركيا أو بالأحرى تحالفت مع روسيا وإيران على خروج المقاتلين من شرق حلب مقابل دعمهما ضد تسليح حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره تركيا إرهابياً ونواة لتشكيل قوات سورية الديموقراطية التي تدعمها وتسلحها الولايات المتحده الأميريكيه.
أعقب إخلاء حلب الشرقية من مقاتليها الإتفاق بين الحلفاء الثلاثة على عقد مؤتمرات الأستانه عاصمة قازيغستان التي تتكلم اللغة التركيه، برعاية روسية بالدرجه الأولى وإشتراك إيران وتركيا طبعاً. قاطعت المعارضة هذه المؤتمرات حيناً، بإعتبار أن إيران جزء من المشكله وإنسحبت منها أحياناً أخرى لعدم تنفيذ النظام والميليشيات الداعمة له لإتفاقات وقف إطلاق النار، كما أن الغارات الروسية على مواقعها لم تتوقف. بجميع الحالات كانت روسيا ولاتزال تحاول عزل قادة المجموعات المعارضة المسلحة عن هذه الموتمرات. وصف الناطق بإسم الكريملين ديمتري بيسكوڤ المحادثات بأنها معقدة جداً بسبب الخلافات الكبيرة بين الأطراف المتصارعة.
(تعليق: إيران ليست راعية للمؤتمرات لأنها جزء من المشكله، حسب رأي المعارضة، والسؤال ماذا عن روسيا وتركيا أليستا جزءاً من المشكله أيضاً؟؟؟ أعتقد أنهم جميعاً هم أصل المشكله)
الموضوع الأكثر إضحاكاً أن روسيا حاولت في المؤتمر الأول العام الماضي فرض مشروع دستور لسورية، إدعت بأن النظام يقوم بدراسته بينما رفضت المعارضة حتى النظر فيه.
من نافلة القول أن الوضع الحالي أصبح في صالح النظام وحلفائه، لأنهم تمكنوا من إسترداد مساحات لايستهان بها من أيادي داعش والمعارضة الوطنية المسلحة. لم يبق لديهم سوى المنطقة الجنوبية والشرقية. يحاولون-النظام وحلفاؤه- حالياً إسترداد المنطقة الجنوبية المحيطة بمدينة درعا. إذا تمت السيطرة عليها سينتقل الصراع إلى المنطقة الشرقية وعاصمتها دير الزُّور التي تسيطر على مطارها وجزء منها قوات النظام ويسيطر تنظيم داعش الإرهابي على ما تبقى منها.
تم تأجيل مؤتمر أستانه الذي كان من المفروض إنعقاده في ١١ و ١٢ من الشهر الحالي بإنتظار نتيجة المعركة في الجنوب لأن إنتصارهم في تلك المنطقة ستضع نهاية لكافة المعارضات المسلحة ضد النظام.
في العدد القادم سنتكلم عن نتائج المعركتين الأخيرتين والخسائر المادية والبشرية التي منيت بها سورية من بداية الأزمه حتى الآن. حتى ذلك الحين، أتمنى للجميع فطراً سعيداً.