بقلم: هيثم السباعي
كنا أكدنا أن النظام إختار الحل العسكري للأزمة والذي يبدو مستحيلاً رغم كل شيء. من المؤكد أن القارىء الكريم سيصل إلى هذا الإستنتاج قبل الإنتهاء من قراءة سلسلة المقالات هذه. الآن، وقد إقتربت الأزمة من إكمال عامها السادس دون الوصول إلى نهاية. دعونا، قبل الخوض بالمصالح الإستراتيجية لإيران وروسيا وتركيا في سورية أن نلقي نظرة على أسباب فشل الحل العسكري رغم التفوق الذي تمتع به قوات النظام من طائرات مقاتله ومروحيات ودبابات ومدفعية ميدان ومدفعية صاروخية وكماً كبيراً جداً من الذخائر، عبر جسور جوية، والدعم العسكري الخارجي غير المحدود لها، ممثلاً بإيران وميليشياتها وروسيا وغيرها.
لست عسكرياً ولامختصاً بالعلوم العسكرية، ولكنني كنت أقرأ دائماً أن الجيوش النظامية غير مدربه على حرب العصابات وحرب المدن التي توقع في صفوفها خسائر فادحة (ڤييتنام مثالاً) بمجموعات مقاتله صغيرة تعتمد الكر والفر في القتال.
فيما مضى، فتحت المعارضة المسلحة عدة جبهات في آن واحد. في ريف دمشق وفي جنوب البلاد وشرقها وشمالها مما شتت القوة الضاربة للجيش وتوزيعها على عدة جبهات. عانت القوات المسلحة أيضاً في بداية الأزمه من نزيف كبير بضباطها وجنودها نتيجة الإنشقاقات التي حدثت في صفوفها، إضافة إلى خسائرها البشرية الكبيرة في المعارك، لم تتمكن من تعويضها بسبب عزوف الشباب عن الإلتحاق بالخدمة الإلزامية والتهرب منها إما بالهجرة أو بالنزوح وربما بأساليب أو وسائل أخرى لأنهم لايريدون أن يكونوا طرفاً بالصراع.
لاحظت أن الإعلام الغربي بعد أن كان يتابع تطورات الأحداث يوماً بيوم ويعرض الأحداث من أرض المعارك، بدأ حوالي منتصف عام ٢٠١٤ بنقل أخبار الأزمة بالتقنين وثبت عدد القتلى من المدنيين بين ٢٥٠ إلى ٣٠٠ ألف لمدة تزيد على العامين قبل أن يرفع العدد إلى حوالي ٥٠٠ ألف تقريباً، كما أن عدد الدول التي إدعت أنها من أصدقاء سورية تناقصت من ١٢٤ دولة، على ما أذكر إلى ثمانية دول فقط. كان من الواضح لكل متابع للأنباء أن تعليمات رسمية صدرت من الحكومات الغربية إلى دوائر الإعلام لديها بتقنين إهتمامها بالموضوع السوري وأحياناً بالتعتيم الكامل. تقصدت ذكر هذا الجزء من المعلومات لأننا سنحتاجها في المستقبل.
نشرت وسائل الإعلام الغربي منذ عدة أسابيع وعلى فترتين متباعدتين ولمرة واحدة دون ذكر مصادرهما بأن عدد القتلى من المدنيين بلغ المليون وأن الجيش خسر ٢٠٠ ألف من مقاتليه.
خلال الأزمه تعرض النظام للسقوط ثلاث مرات ما إستدعى تدخل حزب الله بأمر من إيران ثم تدخل الحرس الثوري الإيراني وميليشيات الحشد الشعبي وميليشيات پاكستانية وأفغانية وغيرها مباشرة بالقتال. مع كل هذا لم تنجح هذه المساعي بتقديم الدعم اللازم للنظام ما إستدعى التدخل العسكري الروسي مباشرة في الصراع بتاريخ ٣٠ إيلول (سيپتيمپر) ٢٠١٥ لإنقاذ النظام الذي كان على وشك الإنهيار، للمرة الثالثة خلال أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع. كانت تعتقد روسيا أن تدخلها سيقضي على المعارضة المسلحة للنظام مع نهاية عام ٢٠١٥، ولكن هذا لم يحصل حتى اليوم رغم أن ٩٨٪ من غاراتها إستهدفت المعارضة المسلحة وساعدت على إسترداد القسم الشرقي من حلب الذي يعتبر إنجازاً كبيراً للنظام وحلفائه وصفعة قوية للمقاومة المسلحة. يقول المحللون الصحفيون وتؤيد الأمم المتحده هذا التوجس، بأن النظام وإيران جمعا (البيض الفاسد في سلة واحدة)- أي إدلب- وهي التي ستتلقى الضربه القاصمة التالية، على ما أعتقد في محاولة لتصفية كافة أشكال المعارضة.
يُخطىء من يعتقد أن إيران دخلت لحماية النظام وتأمين وصولها إلى مياه المتوسط وتوسيع نفوذها في المنطقة، فقط. كان هذان سببين من أربعة أسباب رئيسية. إيران دخلت أيضاً لحماية مصالحها التجارية والصناعية الضخمة في سورية، لأن الرئيس بشار الأسد لم يسر على خطى والده بالتعامل مع إيران نداً لند وإهتمامه بالعمال والفلاحين ولكنه تحالف مع الرأسماليين وأهمل مصالح العمال والفلاحين. لذلك إنطلقت الثورة السوريه عام ٢٠١١ من الريف. وفتح لإيران أبواب البلاد على مصراعيها دون حساب فقامت بإنشاء مشاريع صناعية ضخمة جداً على طول البلاد وعرضها، منها على سبيل المثال لاالحصر مصنع للسيارات وآخر للصواريخ. لذلك دخلت إيران، إضافة إلى الأسباب المذكورة سبباً هاماً هو حماية إستثماراتها، إضافة إلى أجندتها بنشر المذهب الشيعي. يضاف إلى ذلك أن إستثماراتها الضخمة فسحت أمامها المجال بالتدخل في الشؤون الداخليه لسورية.
لايخفى على أحد أن هناك صراع مصالح بين إيران وروسيا في سورية، سنتطرق مستقبلاً إلى هذا الصراع وسنتناول بتفصيل أكثر المصالح الروسية في المنطقة وتعارضها مع المصالح الغربية.