وقفت منذ سنوات عديدة في خط انتظار طويل وانا استعد لمغادرة مدينة القاهرة بعد رحلة عمل طويلة في مصر الجميلة!
وكان موظف الهجرة متعب هو ايضا.. ولكنه يبتسم رغم ذلك!! نظر الى جواز السفر السوري خاصتي وسألني كم لبثت !؟
قلت: عدة أسابيع!!
فقال بنبرة استنكار.. “ ليه.. ليه..”
وحينها قلقت وتضايقت حتى قبل ان اسمع بقية الجملة.. ولكني أنصت.. وانا احضّر لجوابي وأفكر بالمشاكل وبمن سأتصل!! واذ به يقول: “ ليه !! ليه !! ليه !!.. وسايبانا ورايحة الشام ليه !!” ضحكت وضحك جميع من حولي!!!
كم كانت جميلة هذه الجملة بمودتها وقربها ومدلول محبتها للضيف! كم كانت طريفة! وتعبر عن روح الدعابة والفكاهة المصرية!! وكم كانت جميلة لانها تأتي من الخط الاول الذي يعبر عن روح البلاد: المطار!
طبعا هناك الكثير من القصص عن تجارب ليست جميلة لآخرين في نفس المطار.. ولكني أحب ذكر الجميل منها اليوم!
واعرّج على موضوع الهجرة والتأقلم والتعايش الإيجابي في هذه الأيام والتجربة السورية المصرية معها!
ذهب عشرات الالاف من السوريين الى مصر خلال السنوات القليلة الماضية! وكل ما نسمعه هو محبة هذا اللاجئ السوري الذي يعمل بجد واجتهاد وينال استحسان رب العمل! شكر لهذه اللاجئة السورية التي بدأت بإدخال انواع جديدة من المأكولات الى المطاعم المصرية.. مديح لرجال الاعمال وتصنيعهم لمنتجات جديدة بدأت تدخل السوق المصرية..
وكأننا بالمصريين يطوقون السوريين بالمحبة..
كل هذا ورغم ان مصر اليوم ليست بالبلد الغني وليست في أحسن أحوالها، الا انها لم تكن يوما الا طيبة مع السوريين ممن لجؤوا اليها! وكانت كما عهدناها مصر الام ومصر البهية!
وهذا ليس جديد على مصر وتاريخ “الشوام” فيها قديم ، حيث قصدوها للعمل والحياة، ومنهم جد المسرح العربي وعماد ازدهاره ابو خليل القباني، الذي رحل مع فرقته الى مصر من دمشق في أواخر القرن التاسع عشر وانتشر فنه هناك واشتد عوده وكان اول من أسس المسرح الغنائي العربي!
لجوء السوريين الى مصر، رغم صعوبة الحال، لم يحرك المنافسة السلبية او الاستنكار بين المصريين! بل على العكس استفز روح المحبة التي عرفناها للسوريين في تاريخ مصر والأدب العربي يوثقها.. ومنها على سبيل المثال ماقاله الشاعر المصري الكبير حافظ ابراهيم “لمصر ام لربوع الشام تنتسب… هنا العلا وهناك المجد والحسب”
وشغف أمير الشعراء المصري احمد شوقي بدمشق لا يعلى عليه!!
“آمنت بالله واستثنيت جنته .. دمشق روح و جنات و ريحان”
وقال “لولا دمشق لما كانت طليطلة..
ولا زهت ببني العباس بغدان!”
انها سنوات عجاف وستمضي!