بقلم: سليم خليل
منذ سنتين أخذ إسم مدينة الرقة في شمال سوريا يرد في كافة وسائل الإعلام العالمية عندما أعلنتها داعش مركز عاصمتها لأهميتها الإستراتيجية والإقتصادية في المنطقة التي تتسارع الآن القوى المتحاربة للسيطرة عليها .
تقع الرقة على ضفاف نهر الفرات وتبعد فقط أربعين كم عن سد الفرات خزان الماء للزراعة ومولد الكهرباء للمنطقة؛ تبعد ما يقارب مئة كيلومتر شرق مدينة حلب عاصمة الشمال وما يقارب 70 كيلومتر جنوب الحدود التركية . ينبع النهر في تركيا متجها جنوبا إلى سوريا ثم شرقا إلى العراق حيث ينضم إلى نهر دجلة ليصبح اسمهما شط العرب الغزير المياه .
سد الفرات : في منتصف السبعينات من القرن الماضي تم بناء سد الفرات لتخزين فائض مياه الثلوج وليشكل بحيرة تدير عشر عنفات توليد كهرباء بقدرة -٨٢٥- ميجاوات؛ نتيجة الفائض في الطاقة الكهربائية زودت سوريا لبنان والأردن بأسعار منافسة ؛ وأوقفت السلطة نتيجة الفائض بالكهرباء أكثر مراكز توليد الكهرباء العاملة على المشتقات النفطية.
طبعا تبع بناء السد فتح أقنية جر مياه إلى عشرات الكيلومترات التي أنتجت إزدهارا زراعيا أوصل البلاد إلى ما يشبه الإكتفاء الذاتى من منتوج الحنطة والسكر من الشمندر السكري وإنتاج القطن للإستهلاك المحلي والتصدير بالإضافة إلى كافة المنتجات الزراعية الأخرى .
لم يُسمح للشعب السوري أن يتمتع بهذه الثروة المائية لأن تركيا قامت بمدة عدة سنوات ببناء سدود في أراضيها وحولت أكبر كمية من المياه إلى أراضيها وتحججت تركيا بالجفاف كسبب لحجبها تدفق المياه !!! أما ما تبقًى من المياه فكان يكفي فقط لإدارة عنفة أو عنفتين ؛ وفي تلك الفترة إعترض العراق أيضا على سوريا لآن كمية المياه تناقصت وانتهت الأزمة بعد مفاوضات على كمية المياه لكنها بشكل عام بقيت كمية تدفق المياه أقل بكثير مما كانت عليه قبل بناء السدود في تركيا .
نتيجة هذا النقص الهائل في إنتاج الطاقة هرعت السلطة في سوريا لإعادة تشغيل مراكز الإنتاج السابقة فكانت المفاجأة بالحاجة إلى إصلاح مكلف بعد توقف عدة سنوات ويحتاج إلى مدة طويلة لإستيراد قطع التبديل؛ هكذا تفاقمت أزمة الكهرباء في سوريا وأجبرت السلطة على تقنين وتحديد ساعات تزويد المناطق الصناعية والسكنية بالكهرباء لغاية إعادة تشغيل المراكز المتوقفة .
كانت تركيا وما تزال تطمح بإعادة ضم الشمال السوري الذي يشكل أغنى منطقة زراعية في سوريا وقامت بأعمال تخريبية بالإضافة إلى حجب تدفق المياه مثل فتح سدودها فجأة وبدون إنذار ليطوف النهر ويدمر السد السوري والكهرباء ؛ وتحججت بفتح سدودها للصيانة ؛ وما كان على النظام السوري إلا تحمل هذه التطورات وصمد السد .
حاليا بعد إرهاق النظام السوري بإرسال المحاربين المرتزقة من الشمال – تركيا – ومن الجنوب – الأردن – وتسليح المعارضة أجبر الجيش السوري على حصر عمليات الدفاع عن داخل البلاد والتخلي عن الأطراف؛ ومع التحضير الغربي لتغيير الخرائط تتحدث وسائل الإعلام عن مشاركة الولايات المتحدة وما يسمى بحلفائها الرمزيين لقوات – البشمركة – الكردية لتحرير الرقة الغنية بالمياه والكهرباء من داعش .
طبعا لمحرر الأرض حق في الملكية وهكذا سيحق لنظام الدولة الكردية القائمة في العراق التمركز في الشمال السوري الغني بالثروات الطبيعية حيث يتواجد فيها أقلية كردية .
إحتفلت تركيا مؤخرا بالعيد الوطني لثورة أتاتورك وأعلن رئيس الجمهورية – أردوغان – أن خريطة تركيا العاطفية تشمل الشمال السوري وجزيرة القرم والقوقاز وهذا يعني أنه في حال تنفيذ مشروع تغيير خرائط المنطقة يحق للأتراك المطالبة بالشمال السوري وإعادته إلى تركيا حليفة الغرب والعضو في حلف الناتو وعلينا أن نتذكر أن- تركيا – ترفض رفضا باتا قيام الدولة الكردية في المنطقة .
سوريا على طاولة تخطيط خرائط جديدة !!! سوريا التي استقبلت بكل ترحاب مئات آلاف اللاجئين الأرمن الناجين من مذابح الأتراك في مطلع القرن الماضي؛ ومئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين في نهاية الأربعينات من القرن الماضي أيضا ؛ ثم النازحين من الجولان في الستينات وتبعها في السبعينات مئات آلاف اللبنانيين الهاربين من الحرب الأهلية ومئات آلاف العراقيين في مطلع هذا القرن بعد الإحتلال الأميركي !!! بعد كافة هذه الأوضاع المؤلمة التي احتواها الشعب السوري والسلطة الحاكمة يتشرد الملايين من شعب البلاد إلى كافة بقاع العالم وملايين أخرى داخل البلاد بسبب صراع على النفوذ بين القوى العظمى ولا أحد يعرف متى سينتهي هذا الصراع الدموي والدمار الشامل لا في الأمد القريب ولا البعيد!!