بقلم: محمد منسي قنديل
حادثة في أحدى المستشفيات الحكومية، حزينة ومتكررة، تفتح الأبواب على واحدة من أخطر أنواع التجارة في مصر، السوق الحمراء، تلد الأم الفقيرة طفلها ثم تفاجأ باختفائه، أحيانا يقدم لها العاملون تبريرا ساذجا، مات والقينا به في القمامة، لم يكن إلا قطعة من اللحم على اي حال، وأحيانا لا يأبه أحد بأي تبرير، ولا يملك الأهل إلا الذهاب إلى قسم الشرطة ليقدموا بلاغا، ينضم إلى عشرات مثله حول اختفاء الرضع من المستشفيات، وغيرها من حوادث الاختفاء الغامضة التي تتكاثر، تظهر أطراف الاصابع الخفية لمافيا تجارة الأعضاء، ومصر من الدول السيئة السمعة في هذا المجال، هي السوق الأكبر في الشرق الأوسط، والثالثة على مستوى العالم، بعد الصين وباكستان، السوق الحمراء تختلف عن السوق السوداء التي تتضمن السلع الباهظة الثمن، وعن الرمادية التي تحتوي السلع المحرمة دوليا كالمخدرات والسلاح، وهي سوق عالمية وضخمة، لا تعترف بالحدود وزبائنها من مختلف الجنسيات ولا تأبه بالوازع الديني أو الأخلاقي ، لأنها تفتت الجسم البشري وتحوله إلى بضاعة رائجة وثمينة، كل عضو فيها مطلوب، القلب والكلى وفصوص الكبد وحدقات العيون وحتى الجلد ونخاع العظام، وقد استفادت من تطور أساليب الجراحة وحفظ الأعضاء وزراعتها، بحيث يمكن السفر بها عبر الحدود دون أن يصيبها التلف، وهي تستغل الفقر المدقع الذي تعيش فيه بعض دول العالم الثالث ومصر على رأسها، حيث لا يوجد الفقراء ما يقدمونه سوى قطعا من أجسادهم، قربانا للأغنياء الذين يريدون العيش لفترة أطول وفي صحة أجود، سماسرة الأعضاء منتشرون في كل مكان، ولهم أتباع داخل المستشفيات، وعصابات من البالغين بين أطفال الشوارع، ومندوبون يجلسون على مقاهي الأحياء الشعبية، ليلتقطوا المتعطلين والنازحين للمدينة بحثا عن فرصة عمل والذين تثقلهم الديون، ولم يعد غريبا أن اجساد العديد من الشبان موسومة بالندوب، آثار الجراحات التي اجريت لهم وتم استئصال عضوا من اعضائهم، يخضعون لإغراء المبالغ الضخمة التي تعرض عليهم، ويكتشفون في النهاية أنها مجرد وهم، فالسماسرة والاطباء الفاسدين ومعامل التحليل تلتهم معظم المبلغ المتفق عليه، وأحيانا يتم سرقة الأعضاء من الأجساد بلا مقابل باتباع أرخص طرق الخداع، ويقال أنه يتم أجراء 1500 عملية نقل أعضاء سنويا رغم أن القانون المصري يحرم بيع الأعضاء، ولكنه يفتح ثغرة التبرع بها للأقارب وهي ثغرة يستغلها لصوص الأعضاء ويقدمون بطاقات مزورة تثبت صلة هذه القرابة، الغريب ان الشرطة المصرية لديها معلومات كبيرة حول العيادات والمستشفيات التي تتستر على هذه التجارة، ومع ذلك لا تتدخل إلا في أضيق الحدود.
احتلت مصر مركزا متقدما مكان البرازيل،ولو استمر العجز المصري على هذه الصورة فسوف تتفاقم هذه التجارة وتهددنا جميعا، وربما نتقدم لنحتل المكانة المشبوهة التي تشغلها الصين، وهناك عوامل مشتركة بين الدولتين، فالصين لم تكتسب هذه السمعة من فراغ، ولكن لأن هذه التجارة تتم تحت رعاية شبه حكومية، وقد أثار هذا غضب العالم واعتراض العديد من الدول التي تهتم بحقوق الأنسان، فهناك جماعة دينية محرمة في الصين هي “فالونج ونج”، وعندما يتم القبض على فرد من هذه الجماعة يتعرض فورا لحكم الإعدام، لا أحد يعرف مدى الخطورة التي تمثلها هذه الجماعة، ولكن السلطات في الصين تعاملهم بقسوة ودون هوادة، ثم رؤي الاستفادة من هذا الأمر وتحول حكم الإعدام إلى جراحة نظيفة يتم فيها استئصال الأعضاء كلها، أعضاء حية وفتية وخالية من المرض، وكان يتم استخدامها على نطاق ضيق في تبديل أعضاء الحكم الحاكم، ثم انتشرت التجارة خارج الصين وأصبحت مصدرا لا ينضب للأعضاء البشرية العالية الجودة، هذه التجارة أخذة في التقلص في الصين بسبب الضغوط العالمية، وستكف الصين إن عاجلا او آجلا عن نهب أعضاء جماعة فالونج ونج”، ولكن مصر وجدت جماعة أخرى تقوم بنهب اعضائها، الافارقة المساكين الذي يأتون إلى مصر وهم يحلمون بالهجرة داخل حدود إسرائيل، وعليهم قبل ذلك أن يدفعوا الثمن مضاعفا للعصابات التي تستغلهم، والقبائل التي تشرف على ذبحهم، والمافيا الإسرائيلية التي تقوم بنقل اعضائهم إلى مدن أوربا، وقد تم اكتشاف أكثر من مقبرة جماعية في وسط سيناء تضم بقايا أجساد هؤلاء المهاجرين وهي موثقة اليدين والقدمين بعد أن تم تفريغها من كل اعضاء المهمة الداخلية، وظهرت الجثث بفعل المصادفة عندما كشفت عنها الريح العاصفة، ويقال أن اطباء من القاهرة والإسماعلية يقومون بهذه الجراحات في بعض الكهوف التي تم تجهيزها لهذا الغرض، وقد عثر في أحد هذه الكهوف على بقايا ادوات جراحية من مباضع ومحاقن مع بقايا الحبال التي يقيد بها الضحايا.
لاجدوى من تبادل الاتهامات بين قبائل سيناء، فالجريمة تطال الجميع، وسمعة مصر أصبحت سيئة بما يكفي، وأجهزة الأمن مشغولة دوما ولا تجد وقتا لتتبع هذه الجرائم التي تتم بمهارة فائقة، وفي غياب اي قانون ينظم هذه التجارة فكل الاجراءات محكوم عليها بالفشل، ومهما قيل عن تبرير السوق الحمراء وحتى لو اباحها القانون فهي ليست اخلاقية وقائمة على استغلال الاحتياج الإنساني.