بقلم: فرج ميخائيل
كثيرا ما نتحدث بطلاقة وثقة تامة.. ونوعد.. ونقسم…و تسبق الكلمات بعضها البعض لإظهار المشاعر لتأييد فكرة أو أنصاف مظلوم ونصرة الحق..أو لإثبات حسن النوايا أو لإقناع الآخرين بوجهة نظر أو لمناقشات فلسفية أو دينية أو سياسية أو علمية إلى أخره..
ولكن هل يعنى كل منا ما يتلفظ به لسانه وهل فعلا هو مقتنع بالكلمات التى نطق بها..وهل هو فى الحقيقة مستعد لتحقيق ما تعهد به….
فنجد أن أحدا ما فى موقع مسئولية خاطب ووعد بتحسين الخدمات على سبيل المثال أو على إصدار قانون جديد لحماية المواطنين أو بتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية والتنمية وإيجاد فرص عمل وتحقيق الأمن وسرعة البت فى القضايا المختلفة.. وتغيير اسلوب التعليم والاهتمام بالمؤسسات الحكومية ودعمها حتى يتلقى المواطن احسن خدمة وكذلك التعهد بتوفير العلاج وتزويد المستشفيات بالأجهزة التى تضمن سلامة المريض وكذلك الاهتمام بنظافة البيئة..إلى غير ذلك من أمور متعددة…..
ولكن ماذا بعد؟؟ تمر الأيام والسنين ونرى أن المستشفيات مازالت بدون مولدات كهربائية فيفقد كثير من المرض حياتهم فى غرف العمليات وكذلك الرضع فى الحضانات…وآ آسفاه…مازلنا نعانى من السحابة السوداء…مازالت القمامة مكان لتجمع الحيوانات الضالة التى تهاجم التلاميذ أثناء عودتهم إلى بيوتهم ..وكذلك هي بيئة صالحة ومزرعة للحشرات المؤذية..ومازال هناك اهمال وتقصير فى كتير من المجالات….
لكن يجب أن ننتبه أيها السادة إن اللوم كله لا يقع على عاتق المسئولين ..فنحن نشترك معهم فى تحمل المسؤولية …فهناك من يتعمد نشر الفساد وتأخير المصالح .ويسيطر على عقله الغموض وعلى نفسه الحقد نرى فى سلوكه البغض والانتقام و يسود عليه الجهل ..وذلك يكون عادة. نتيجة لسؤ نشأته وظروف حياته المعقدة وعدم استقامة سلوكه وقسوة المجتمع عليه.
فهذه هى الصورة الظاهرة والملموسة …ولكن يوجد فى مجتمعنا من يرفضها ويحاول أن يصلح ما أفسده غيره وان يعيد لها بريقها ورونقها ..برغم صعوبة المهمة والعقبات ..ولكن من يريد الإصلاح ويعقل الامور وينظر إلى المستقبل البعيد يصر على المضى قدما ولاتعوقه اى تحديات…
وإنما تكمن خطورة الموقف فى هذه الأحوال بأن هذه الصورة تعكس ثقافة مجتمع ..فإن القلوب المحبة قست والشخصيات المحبة تكاد إن تندثر وحسن الظن تلاشي بينما احتلت الأنانية المركز الأول والرغبة فى البناء و الابتكار أصبحت من دروب الخيال.. ان كل ما يشغل الإنسان المعاصر هو أن يعيش يومه ويوفر قوته بل ويرى أنه بعدم الاكتراث لأى شئ فإنه يضمن لنفسه صحة العقل والنفس .
ومن هذا المنطلق انعكس هذا السلوك على الحياة الشخصية..فتأثرت الحياة الأسرية و تخلخلت العلاقات الاجتماعية…وأصبحت الكلمات وكأنها أصداء لا نعرف من أين تأتى ولا إلى أين تذهب ليس لها إيقاع ولا وزن فهى مفرغة من معانيها وفقدت تأثيرها فى القلوب ولا تغنى العقول أو تروى النفوس…
فبأسا للإنسان الذي يعانى من هذه المهاترات ويقاسي من قسوة الحياة و تنجرح نفسه مرارا وتكرارا من الكلام المعسول والوعود الكاذبة وخصوصا إذا كان من القليلين الذين يؤمنون أن الكلمة متى خرجت من بين الشفاه فهى بمثابة حكم يلزم صاحبه بتنفيذ ما نطق به ولا ينكث عهده تحت اى ظروف…فهذه هى الشخصية السوية التى تتبنى الفكر المستنير والمنطق السليم الذى يحافظ على العادات والتقاليد وروح المجتمع وبسمة الحياة…
فلنتأمل ولا نيأس…بأن نستعيد ثقتنا بأنفسنا ومبادئنا وبمجتمعنا حتى نستطيع أن نحافظ على تراثنا وملامح حضارتنا وخصال شعبنا الأصيل ..والله الموفق والمستعان…