سوسن شمعون
إن مجريات الأزمة السورية تلقي بظلالها على كل مواطن سوري في داخل و خارج البلد , فالذين غادروا بلدهم مرغمين ينقسمون إلى نصفين فمنهم من حالفه الحظ و استطاع التأقلم ولو بشكل جزئي و انطلق في مجتمع جديد و بحياة جديدة و ما أسعفه بذلك شيء من مؤهلاته العلمية أو أمواله أو معارفه أو خليط من كل هذا , و هناك قسم آخر من المغتربين يعيش متخبطاً بين حلم العودة لربوع الوطن و واقع الغربة التي تأكل من عمره و كرامته , لكن بالنتيجة يمكن القول أن كلى النصفين هو بنظر العالم لاجئ أي مواطن من الدرجة الثانية أو حتى يمكن تصنيف البعض من الدرجة العاشرة , و ذلك على حسب إمكانياتهم المادية و العلمية , و كثير من المغتربين ينظر بألم و قلق إزاء ما يحدث في بلده و إن عدنا لأولئك الذين بقوا في الديار نظراً لانعدام قدرتهم على الهروب و اللجوء و بعضهم بقي لأنه يستطيع البقاء و الصمود لكن هناك من بقي ليكمل سرقة هذا البلد داخلياً و ينتهز الفرصة في ظل فوضى الحرب هذه , إن ما يطلق عليه الإعلام من عبارات صمود و تحدي و ما إلى ذلك هو في حقيقة الأمر مجرد كلام خاوٍ من مضمونه فنحن الذين نقبع في أتون الحرب نعيش تفاصيلها في كل لحظة و نقارع الموت ألف مرة باليوم و ننتظر بين الفينة و الأخرى سقوط الجحيم علينا , لقد رأينا ما يحل باللاجئين السوريين في الأصقاع من معاملة دنيئة في بعض الدول و كذلك رفض دول أخرى استقبالهم بعد أن أهدينا للعالم نوابغنا و ثرواتنا و زهرات شبابنا , لذلك فبعضنا يرى أن نموت داخل بلدنا و نحن موفوري الكرامة من أن نحيا حياة ذل و هوان على عتبات و موائد الآخرين , و الذين مازالوا يتغنون بنصر مرتقب من هذا الطرف أو ذالك هم في الحقيقة كالمستجير من الرمضاء بالنار و كأن الذي سيخسر سيسكت للأبد , و بعد أن طالت بنا الأزمة و الله أعلم إلى متى فإن جُل هذا الشعب المتبقي قد أصابه اليأس و الملل و الإحباط من انتظار لحظة دمار تبدد ما تبقى من أحلامه أو من واقعه , نعم نحن نعيش الحصار بكل تفاصيله , حصار يفرضه من يتبجح بتحريرنا في الخارج و قامت حكوماتهم بإغلاق الأبواب في وجوهنا , و حصار آخر يفرضه علينا إخوة لنا في الوطن ليمتصوا ما تبقى من دمائنا و ليس فقط أموالنا و خيرات بلدنا , لسنا صامدين لسنا راسخين في مبادئنا لسنا أسياد قوة و عزم كما يشاع , نحن عامة الشعب حكم عليه بالموت البطيء أو المفاجئ , نرضخ رغماً عن إرادتنا لقتل ممنهج و مدروس و مدبر عالمياً , لكن علينا إثمٌ كبير , فلو كنا بحق أصحاب صمود و أهل مبادئ لما سمحنا للفتنة أن تنخر في جذوع هذا البلد و عقول أبنائه , و لما دعونا العالم للتدخل في حل مشاكلنا الداخلية ليبدي كل عديم فهم و ضمير رأيه بطريقة إبادتنا بحجة إنهاء هذه الفوضى , نحن القتلة الأولون و نحن البادئون و نحن الظالمون .