بقلم: هيثم السباعي
ألقينا في العدد الماضي نظرة سريعه على صعود ‘توني بلير’ في الحياة السياسية البريطانية وسيره وراء مغامرات رئيس الولايات المتحدة السابق ‘چورچ دبليو بوش’ الإبن العبثية. رأينا أيضاً أن مستقبله السياسي في بلده إنتهى مع نهاية ولايته الثالثة منتصف عام ٢٠٠٧.
الجميع اليوم بإنتظار تقرير ‘السير چون تشيلكوت’ رئيس اللجنه التي شكلها خلفه ‘چون براون’ حول الحرب العراقية الذي بدأ العمل بتحقيقاته في منتصف عام ٢٠٠٩ وبلغت تكاليفه حتى اليوم حوالي مليوني جنيه إسترليني (ثلاثة ملايين دولاراً أميريكياً). من الواضح أن هناك محاولات لتمييع إصدار نتيجة التحقيقات بحجج واهية. أسباب هذا التمييع واضحة إذ أنها ستدين رئيس الوزراء الأسبق بتهمة جر بلاده إلى حرب غير مبرره بل أدت إلى إرتكاب جرائم حرب بحق الإنسانية. هذا من جهة، من جهة أخرى ستكون سابقة تسيء كثيرا لأعلى موقع سياسي في البلاد.
أنشأ ‘توني بلير’ بعد إستقالته من جميع مناصبه السياسية مكتباً إستشارياً تحت إسم “توني بلير وشركاه”. كما أن زوجته “شيري بلير” أسست في عام ٢٠١١ مكتباً للمحاماة تحت إسم ‘إستراتيجية أومنيا’. قدم كلاهما إستشارات، كل في مجال عمله لحكومة كازاخستان ورئيسها “نور سلطان نازارباييڤ”. إذ وقعت مؤسسة المحاماة التي تعمل فيها “شيري” مع وزارة العدل الكازاخستانية عقداً في بداية عام ٢٠١٤ لمراجعة عقود الإستثمار التي وقعتها الحكومة مع الأطراف الأخرى. بلغت تكاليف المرحلة الأولى ومدتها ثلاثة أشهر ١٢٠ ألف جنيه إسترليني (١٨٠ ألف دولاراً أميريكياً). أما كلفة المرحلة الثانية ومدتها ثلاثة أشهر أيضاً فتتراوح بين ٢٠٠ و ٢٥٠ ألف جنيه إسترليني (٣٠٠-٣٧٥ ألف دولار أميريكي)، أي بكلفة ٩٧٥ جنيهاً إسترلينياً (١٤٦٥ دولاراً أمريكياً) للساعة الواحدة، والعقد مفتوح للتمديد لمرحلة ثالثه. هذا إضافة إلى دفع تكاليف الإقامة والسفر والترجمة والمصاريف النثرية الأخرى.
عملت مؤسسة الزوجه أيضاً بقضية خلاف نفطي لصالح حكومة ألبانيا حصلت منها على ٣٠٠ ألف جنيه إسترليني (٤٥٠ ألف دولار أمريكي). في نفس العام أصبح زوجها مستشاراً للحكومة الألبانيه، دون أي إثبات فيما إذا كان هناك أي علاقة بين المؤسستين.
بدأ ‘توني بلير’ في أواخر عام ٢٠١١ العمل كمستشار للرئيس ‘نازارباييڤ’ مدعياً بعدم حصوله على أية فوائد مادية شخصية من هذه الإستشارات. في كانون الأول (ديسيمبر) عام ٢٠١١، قتل أكثر من ١٤ متظاهراً وجرح أكثر من ثمانين من العمال خرجوا إحتجاجاً على إستغلالهم وظروف عملهم في مجال النفط في مدينة “زانا أوزن’ في كازاخستان عندما فتحت الشرطة النار عليهم. قام توني بلير بإسداء النصح للرئيس حول كيفية تهدئة الأوضاع والإشارة إلى الإنجازات التي حققها للعمال بعد تلك المجزرة. من المعروف أن حكومة كازاخستان متهمة بتعذيب السجناء وإعتقال منتقدي الحكومة ورقابتها الشديدة على الصحافة وتقييد الحريات الدينية والتعدي على حقوق العمال بحسب مراقبي حقوق الإنسان.
صرح ‘توني بلير’ عندما حصل على مكافأة مجلة “چي كيو للرجال” للعمليات الخيرية لعام ٢٠١٤ بأنه سيهديها للذين عملوا معه من أجل مؤسساته وأنه ساهم منذ عام ٢٠٠٧ حتى الآن بأكثر من ١٠ ملايين جنيه إسترليني (١٥ مليون دولار أمريكي) للأعمال الخيرية. إلا أن أحد العاملين في مؤسسته التي تدعى ‘مؤسسة توني بلير للولاء’ إتهم بلير بالتداخل في عملها. إذ أنه يصرف مبالغ طائلة من أموالها على فريق الإتصالات الذي يهدف منه حماية صورته بدلاً من صرفها في الأعمال الخيرية. لذلك سببت منحه مكافأة المجله المذكورة في نيويورك إحتجاجات كبيرة لعدم الثقه به.
كشفت التقارير في عام ٢٠١٤، أيضاً أن ‘توني بلير’ إستخدم أحد خبراء البنوك الأميريكيين لمساعدته بأعماله في الشرق الأوسط. تبين أنه وقع عقداً في عام ٢٠١٠ مع شركة ‘پيتروسعودي’ النفطية لتوسيعها يتقاضى بموجبه ٤١ ألف جنيه إسترليني شهرياً (٦١,٥ ألف دولار أميريكي) إضافة إلى العمولة.
حصلت صحيفة “التلغراف” اللندنية على رسالة إلكترونية ‘لتوني بلير’ يحاول الإتصال ببعض الأغنياء لتشجيعهم على الإستثمار في جنوب السودان الغني بالنفط الذي لم ينتج بعد، حيث يعمل مستشاراً لحكومته أيضاً. الرسالة الإلكترونيه أرسلت من إحدى مؤسسات ‘بلير’ الخيرية وتحديداً من “مؤسسة مبادرة حكومة أفريقيا” مما أثار تساؤلات جمه عن مهام جمعياته الخيرية.
يصر ‘توني بلير’ على أن ثروته لاتتجاوز الملايين العشرة من الجنيهات الإسترلينية (١٥ مليون دولار أميريكي) منذ مغادرته مقر رئاسة الوزراء عام ٢٠٠٧ وأنه منح الجمعيات الخيرية مبلغاً معادلاً لهذا المبلغ. يذكر أن أغلب الجمعيات الخيرية التي يتحدث عنها تحمل إسمه. يبقى حجم ثروة ‘بلير’ سرياً ولو أن التقارير تفيد بأنها لاتقل عن ١٠٠ مليون جنيه إسترليني (١٥٠ مليون دولار أميريكي) لأن كل صفقاته التجارية يتم عقدها خلف شبكة معقدة من الشركات والشركاء.
من أهم الجمعيات الخيرية الدولية التي أسسها “مؤسسة مبادرة حكومة أفريقيا ومؤسسة توني بلير للولاء”.
من الوثائق التي كشفتها صحيفة الغارديان:
– هوية مالي أميريكي وزوجته اللذان أعطيا ‘مؤسسة مبادرة حكومة أفريقيا’ مليون جنيه إسترليني (١,٥ مليون دولار أمريكي)
– إستخدم جزء من هذه الأموال لتمويل نقل مكاتب المؤسسة المذكوره إلى مبنى يطل على حديقة ‘هايد پارك’ في وسط لندن.
– كيف خططت هذه المؤسسه لتوسيع أعمالها بإسداء النصح لقادة نصف أفريقيا في الصحارى ماأعطى ‘بلير’ إمكانية السيطرة على مئات الملايين من الناس.
– كيف إستطاعت هذه المؤسسة إقناع أحد القادة الأفارقة الإستغناء عن ثلاثة أجهزة هاتف خليوي من أصل أربعة كمثال يعطي دليلاً واقعياً على مدى نفوذها في القارة.
– وثائق أخرى أخذت عن الولايات المتحدة تبين أن ‘پاولو پيلليغريني’ المصرفي إيطالي المولد وزوجته الثالثه ‘هنرييتا’ تبرعوا للمؤسسة الإفريقية بمبلغ ٥٠٠ ألف دولاراً أميريكياً بالعام على مدى ثلاث سنوات عبر مؤسستهما الخيرية المعروفة بإسم ‘مؤسسة پاولو پيلليغريني وهنرييتا چونز’. عندما قامت مصلحة الضرائب الأمريكيه بدراسة كشوفات المؤسسه وجدت أن هناك مبالغ لم تحول إلى الجمعيه الخيرية الإفريقية التي يديرها ‘بلير’ مما يدل أنه تم تحويلها لحسابات أخرى. أكد ذلك، بدوره مجلس الجمعيات الخيرية البريطاني.
في الحقيقة أن الحديث يطول عن الأساليب التي إتبعها رئيس الوزراء البريطاني الأسبق لجمع ثروته وماهو دخله الشهري الفعلي ومع أية دول ورؤساء يتعامل على أساس الإستشارات السياسيه والإقتصادية. إن مقالين أو ثلاثة لاتكفي لتغطية ممارساته، لذلك سأحاول إنهاء الموضوع بمقالة أخرى تهتم بصورة أساسية بعلاقاته بديكتاتور ليبيا الراحل ‘الأخ’ معمر القذافي.
لابد من التأكيد قبل إنهاء مقالة اليوم بأن ‘توني بلير’ يعتبر حتى من قبل أشد منتقديه بأنه من أعظم السياسيين الذين يمتلكون موهبة فذة في التواصل السياسي في العصر الحديث.